الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة سهيل بيوض مخرج فيلم «ما تتفرّجوش فينا» في أخطر حوار: الدولة مطالبة بانتاج وتوزيع الزطلة وترشيد استهلاكها!

نشر في  19 مارس 2014  (10:14)

نوفل الورتاني سطا على فكرة فيلمي وتعمّد تغييبي في برنامجه

لا أخشى التتبع العدلي وبسجن «الزطّال» نصنع منه مجرما

سهيل بيّوض مخرج الفيلم الوثائقي «ما تتفرّجوش فينا» الذي يتحدّث عن ظاهرة «الزطلة» من خلال شهادات حيّة لأشخاص يتعاطون هذه المادة، اتصل بجريدتنا ليروي على مسامعنا في البداية كيف «سطا» فريق برنامج «لاباس» لصاحبه نوفل الورتاني على فكرة فيلمه، حيث وجّه له الفريق دعوة ليكون ضيف إحدى الحصص، لكن وبعد ان تحصل منه على أرقام هواتف وطريقة الوصول الى ابطال فيلمه قام بتوجيه دعوة لشخصين من الفيلم وهما خالد ويسرى دون استشارته او دعوته او حتى الحديث عن فيلمه، ولكن وبعد الحديث عن هذا الاشكال تعمقنا في الحوار مع سهيل الذي يحمل مشروعا على حدّ تعبيره والمتمثّل في ضرورة الغاء القانون عدد52 المؤرّخ سنة 1992 والذي يقضي بسجن مستهلكي الزطلة، حيث ان سهيل يرى ان هذا القانون زجري وظالم، مشروع سهيل لا يقف عند هذا الحدّ بل انه يطالب من الدولة ان تتكفّل هي بانتاج وتوزيع وترشيد استهلاك هذه المادة، افكار قد يصفها البعض بالمجنونة وأكيد ان الكثير يرفضونها لكن سهيل بيوض يؤمن بها وله مبرّراتها التي سيكشفها لنا في الحوار التالي...


في البداية، ماذا لوحدّثتنا عن الإشكال الذي بينك وبين فريق برنامج «لاباس» ومقدّمه نوفل الورتاني؟
ـ لقد اتصل بي فريق «لاباس» بعد مشاهدة فيلمي الوثائقي «ما تتفرّجوش فينا» والذي يصوّر شهادات حيّة لأشخاص يتعاطون «الزطلة» وأخبروني انهم يرغبون في استضافتي في البرنامج والحديث عن فيلمي نظرا للضجّة التي أثارها، فوافقت واقترحت ان اصطحب معي «عم حسن» احد شخصيات الفيلم ليروي قصّته مع تعاطي هذا المخدّر، لكنّهم طلبوا مني اصطحاب «عصام» وهو شاب آخر وأحد شخصيّات الفيلم فكان الاتفاق بيننا  ومنحتهم أرقام هواتف شخصيات فيلمي للتنسيق معهم، وبالفعل اتصلوا بعصام واصطحبوه الى احد النزل ومدّهم بأرقام هواتف اشخاص يتعاطون «الزطلة»، في الأثناء شعر عصام بالخوف وهرب من النزل، فما كان من فريق البرنامج الاّ ان اتصل بكل من يسرى وخالد، وهما شخصيتان صورتهما في فيلمي ووقع الاتفاق معهما واستضافتهما في إحدى الحصص التي أثارت ضجّة كبرى،  في المقابل تمّ تجاهلي ولم يتم استضافتي اوحتى الإشارة الى فيلم «ما تتفرجوش فينا» في تلك الحصّة.. اي ان نوفل الورتاني قدّم كل من يسري وخالد كحالات اجتماعية منعزلة وفريق البرنامج هو من اكتشفهما...
هل تقصد انّ فريق برنامج «لاباس» سطا على شخصيات فيلمك؟
ـ فعلا، هذا ما حصل، وأنا هنا لا أوجه لومي الى صديقي خالد وزوجته يسرى بل الى الصحفي الذي استغلّ هذه الحالات ومرّرها دون ذكر مصدره، كما انه عمد الى تشويه فكرة الفيلم واظهر خالد ويسرى كشخصيات سلبيّة في المجتمع ومجرّد شخصين يتعاطيان «الزطلة» دون تسليط الضوء على ما هو أهمّ ودراسة تلك الظاهرة..
لنعد الى فكرة الفيلم التي تتحدث عن ظاهرة «الزطلة»، ماذا أردت ان تمرّر من خلال فيلمك؟
ـ في البداية اشير الى انّ أكثر ما آلمني بعد الثورة هو ان الفنان الذي طالما كان يشتكي من الصنصرة أيام بن علي التزم الصمت بعد ان تحرّرت الأفواه، فكان هو الغائب الوحيد وسط كل هذا الحراك الذي  تشهده البلاد، وهو ما دفعني رغم انّي لا أنتمي الى ميدان السينما، الى التفكير في انجاز فيلم وثائقي أتحدّث فيه عن ظاهرة «الزطلة»، ولعلّ ما دفعني الى التفكير في هذا الموضوع يعود الى انّ بن علي قمع الشباب التونسي بقانون 52 الذي تمّ بعثه سنة 1992  والذي يقضي بسجن كل شابّ تثبت التحاليل انّه يتعاطي «الزطلة» رغم انّ النظام «السيستام» هو الذي كان يوفر للشّباب هذه المادة وبالتالي جعل بن علي الشباب في حالة خوف دائم واستطاع التحكّم فيه.
وصفت القانون الذي يقضي بسجن متعاطي «الزطلة» بالقمعي، فهل انت مع تعاطي هذه المادة دون عقاب؟
ـ أنا أؤمن انّ الدولة لا يجب ان تترك هذه المادة حكرا على رجال العصابات ليدمّروا الشّباب بل عليها ان تعي بوجود هذه الفئة في المجتمع وتحاول مساعدة هؤلاء الشباب بالاستعانة بعلماء اجتماع ونفس وترشد استهلاكهم بل وتوفر لهم هذه المادة.
هل تطالب بتوفير الدولة «للزطلة» عوض محاربة هذه الآفة؟
ـ اذكرك بأنّ أوّل من مرّر قانون مكافحة وعدم بيع المخدّرات هي الولايات المتحدة الأمريكيّة وكان ذلك سنة 1990، وقد صادق على ذلك القانون كل الدول، لكن اليوم اعترفت الولايات المتحدة بفشلها وبفشل تلك المعاهدة وانطلقت في بيع وانتاج وتوزيع مادّة «الماريخوانا» لأنّها استوعبت انّ القمع زاد في استفحال الظاهرة كما تأكدت ان أكثر من مليار دولار يذهب الى العصابات فخيّرت ان تستفيد بتلك الأموال.. وعليه بامكان تونس ان تستفيد من بيع «الزطلة» وتحسن وضعها الاقتصادي كما فعلت ذلك امريكا والمغرب والأوروغواي على شرط ان تكون المادّة تونسية وذات جودة عالية وتشرف الدولة على مسالك توزيعها.
بمعنى أنّك تشجّع على استفحال هذه الظاهرة اجتماعيّا؟
ـ اطلاقا لا، فالاحصائيّات أثبتت ان نسبة الاستهلاك تنخفض بـ30 ٪وتتقلّص نسبة الجريمة، اذا اشرفت الدولة على هذا القطاع، اضافة الى الربح المادي..
وكأننا بك تعدّد خصال هذا المخدّر؟
ـ في اعتقادي «الزطلة» ما هي الاّ وسيلة بالنسبة الي اشخاص بعينهم، اشخاص يبحثون عن الراحة وتغيير فكرهم وانا لا اتحدّث هنا عن كل فئات المجتمع بل عن فئة معيّنة، فئة تحتاج «الزطلة» لتبدع أو لتهدأ وتبتعد عن افتعال المشاكل..
من جهة أخرى أفيدكم أنّ هناك من يلتجأ الى أخذ حقن «السوبيتاكس» أو أنواع أخرى من المخدّرات وهي مواد لا تكشفها التحاليل وذلك خشية الزجّ بهم في السجن مع العلم انّ هذه المواد أخطر بكثير من «الزطلة».. وبالتالي اعتقد انه من الأفضل ان تراقب الدولة هذا القطاع خير من ان تنجرّ هذه الفئة الى تعاطي السموم واكرّر بأنّ كلامي موجّه الى فئة معينة من المجتمع وهي التي تصبح اكثر هدوءا واجتماعية بعد تعاطيها للزطلة.
من جهة أخرى أرى انّ الدولة بزجها لمتعاطي «الزطلة» في السّجن هي في حقيقة الأمر تصنع منه مجرما..
هل تدعو اضافة الى تنظيم هذا القطاع من قبل الدولة الى الغاء عقوبة تعاطي هذه المادة؟
ـ أنا أدعو الى حوار وطني يشارك فيه اخصائيون وذلك لإيجاد حلول. من جهة اخرى  أطالب الغاء وتعليق قانون عدد 52 الذي أصدر سنة 1992 والذي ينصّ على عقوبة السجن لمستهلك «الزطلة» وذلك لأنّ هذا القانون زجري وظالم.
صدقا، ألا تخشى ان يقع تتبعك قضائيا بعد هذه التصريحات أو بعد انجازك لفيلم يعدّد خصال مادة مخدّرة؟
ـ شخصيا لست خائفا، لأني صادق وأقول الحقيقة من وجهة نظري بطبيعة الحال وانقل ما يعانيه ابناء الأحياء الشعبيّة، كما اسعى من خلال افكاري الى لفت انتباه الدولة الى هذا الموضوع وان تجد حلاّ لأبناء شعبها وان تخلصهم من قانون بن علي الظالم.
ألا تعتقد انّك بزرع هذه الأفكار قد تشجع الجيل الجديد على استهلاك هذه المادة؟
ـ لا أنا أدعو الى حوار وطني وخلق ثقافة جديدة تبدأ حتى من المدارس الابتدائيّة وذلك حتى ترسخ في الجيل القادم وبطريقة غير قمعيّة عدم استهلاك هذه المادّة، ثم لماذا نخشى اليوم من الحديث عن ظاهرة «الزطلة» ولماذا ننكر انّ بعض الأشخاص في حاجة الى هذه المادة.. أنا أرى أنه لا يجب تجريم الحرية في الجسد، وذلك لأن الثورة التونسية هي ثورة جسد ومرتبطة به، راجعوا الأحداث التي مرت بها تونس من حرق البوعزيزي لجسده الى أمينة التي عرّت جسدها، هناك فئة اخرى خيرت ارتداء النقاب أو  اطالة اللحية فهل هناك تعبير صارخ  أكثر من هذا ليعبروا عن حرية التعامل مع الجسد، وبالتالي اقول ان الجسد يشتكي في تونس ويبحث عن نفسه فلنتركه يعبّر عن ذاته بذاته.
هل واجهت صعوبات اثناء تصويرك لفيلم «ما تتفرجوش فينا»؟
ـ لعلمكم هذا الفيلم هو الفيلم الوثائقي الأول في تونس الذي يتحدّث عن ظاهرة «الزطلة» بوجوه مشكوفة، حيث قبل اشخاص أن  يتحدثوا عن معاناتهم دون اخفاء وجوههم.. عموما انا لم اجد اي صعوبة فأنا ابن حي شعبي ومن الطبيعي ان تكون لي علاقات خاصّة استطعت من خلالها ان أجد شخصيات فيلمي التي أرادت ان تتتحدث عن تجربتها في السجن وعلاقتها مع النظام وكيف ان «الزطلة» متوفرة في السجون التونسية كذلك أردت أن أؤكد أنّ  السجن لم ولن يثينهم عن تعاطي «الزطلة» بل سيزيد اصرارهم على تعاطيها، كما انه ساهم في تحويل اكثر من شخص عادي ومواطن صالح اخطأ مرة وتعاطى «الزطلة» الى مجرم خطير وهذا ما نسعى الى اثباته فتعاطي «الزطلة» ليس جرما، بل الجرم هو ان نحوّل شباب الى مجرمين..
ماذا بعد «ما تتفرجوش فينا»؟
ـ أنا استعدّ حاليا لتصوير الجزء الثالث من هذا الفيلم الوثائقي اي سأواصل في تصوير نفس الموضوع من زوايا اخرى لإيماني الشديد انّ قانون بن علي زجري جدا وأنّه بإمكاننا معالجة الظاهرة بطريقة اجتماعية وبحوار وطني.
ختاما، هل تتعاطى الزطلة؟
ـ اطلاقا لا، ولم استهلكها ولو مرّة في حياتي...

حاورته: سناء الماجري